الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{ولولا نعمة ربي} يعني بالإيمان {لكنت من المحْضَرين} يعني في النار، لأن أحضر لا يستعمل مطلقًا إلا في الشر.قوله عز وجل: {أذلك خيرٌ نزلًا أم شجرة الزقوم} والنُّزل العطاء الوافر ومنه إقامة الإنزال، وقيل ما يعد للضيف والعسكر. وشجرة الزقوم هي شجرة في النار يقتاتها أهل النار، مرة الثمر خشنة اللمس منتنة الريح.واختلف فيها هل هي من شجر الدنيا التي يعرفها العرب أولا؟ على قولين:أحدهما: أنها معروفة من شجر الدنيا، ومن قال بهذا اختلفوا فيها فقال قطرب: إنها شجرة مرّة تكون بتهامة من أخبث الشجر، وقال غيره بل كل نبات قاتل.القول الثاني: أنها لا تعرف في شجر الدنيا، فلما نزلت هذه الآية في شجرة الزقوم قال كفار قريش: ما نعرف هذه الشجرة، فقال ابن الزبعرى: الزقوم بكلام البربر: الزبد والتمر فقال أبو جهل لعنه الله: يا جارية ابغينا تمرًا وزبدًا ثم قال لأصحابه تزقموا هذا الذي يخوفنا به محمد يزعم أن النار تنبت الشجر، والنار تحرق الشجر.{إنا جعلناها فتنة للظالمين} فيه قولان:أحدهما: أن النار تحرق الشجر فكيف ينبت فيها الشجر وهذا قول أبي جهل إنما الزقوم التمر والزبد أتزقمه فكان هذا هو الفتنة للظالمين، قاله مجاهد.الثاني: أن شدة عذابهم بها هي الفتنة التي جعلت لهم، حكاه ابن عيسى.قوله عز وجل: {إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم} فكان المقصود بهذا الذكر أمرين:أحدهما: وصفها لهم لاختلافهم فيها.الثاني: ليعلمهم جواز بقائها في النار لأنها تنبت من النار.قال يحيى بن سلام: وبلغني أنها في الباب السادس وانها تحيا بلهب النار كما يحيا شجركم ببرد الماء.{طلعها كأنه رؤُوس الشياطين} يعني بالطلع الثمر، فإن قيل فكيف شبهها برؤوس الشياطين وهم ما رأوها ولا عرفوها؟قيل عن هذا أربعة أجوبة:أحدها: أن قبح صورتها مستقر في النفوس، وإن لم تشاهد فجاز أن ينسبها بذلك لاستقرار قبحها في نفوسهم كما قال امرؤ القيس:
فشببها بأنياب الأغوال وإن لم يرها الناس.الثاني: أنه أراد رأس حية تسمى عندالعرب شيطانًا وهي قبيحة الرأس.الثالث: أنه أراد شجرًا يكون بين مكة واليمن يسمى رؤوس الشياطين، قاله مقاتل.قوله عز وجل: {ثم إنّ لهم عليها لشوبًا من حميم} يعني لمزاجًا من حميم والحميم الحار الداني من الإحراق قال الشاعر: ومنه سمي القريب حميمًا لقربه من القلب، وسمي المحموم لقرب حرارته من الإحراق، قال الشاعر: أي أدناه فيمزج لهم الزقوم بالحميم ليجمع لهم بين مرارة الزقوم وحرارة الحميم تغليظًا لعذابهم وتشديدًا لبلاتهم.قوله عز وجل: {ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم} فيه أربعة أوجه: أحدها: يعني بأن مأواهم لإلى الجحيم، قاله عبد الرحمن بن زيد.الثاني: أن منقلبهم لإلى الجحيم، قاله سفيان.الثالث: يعني أن مرجعهم بعد أكل الزقوم إلى عذاب الجحيم، قاله ابن زياد.الرابع: أنهم فيها كما قال الله تعالى: {يطوفون بينها وبين حميم آن} ثم يرجعون إلى مواضعهم، قاله يحيى بن سلام.قوله عز وجل: {ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون} أي دعانا، ودعاؤه كان على قومه عند إياسه من إيمانهم، وإنما دعا عليهم بالهلاك بعد طول الاستدعاء لأمرين:أحدهما: ليطهر الله الأرض من العصاة.الثاني: ليكونوا عبرة يتعظ بها من بعدهم من الأمم.وقوله: {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} يحتمل وجهين:أحدهما: فلنعم المجيبون لنوح في دعائه.الثاني: فلنعم المجيبون لمن دعا لأن التمدح بعموم الإجابة أبلغ.{ونجيناه وأهله} قال قتادة: كانوا ثمانية: نوح وثلاثة بنين ونساؤهم، أربعة أي رجال وأربعة نسوة.{من الكرب العظيم} فيه وجهان:أحدهما: من غرق الطوفان، قاله السدي.الثاني: من الأذى الذي كان ينزل من قومه، حكاه ابن عيسى.{وجعلنا ذريته هم الباقين} قال ابن عباس: والناس كلهم بعد نوح من ذريته وكان بنوه ثلاثة: سام وحام ويافث، فالعرب والعجم أولاد سام، والروم والترك والصقالبة أولاد يافث والسودان من أولاد حام، قال الشاعر: قوله عز وجل: {وتركنا عليه في الآخرين} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: معناه أبقى الله الثناء الحسن في الآخرين، قاله قتادة.الثاني: لسان صدق للأنبياء كلهم، قاله مجاهد.الثالث: هو قوله سلام عل نوح في العالمين، قاله الفراء. اهـ. .قال الثعلبي: {والصافات صَفَّا}.قال ابن عباس ومسروق والحسن وقتادة: يعني صفوف الملائكة في السماوات كصفوف الخلق في الدُّنيا للصلاة، وقيل: هم الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها بما يريد، وقيل: هي الطير، دليله قوله: {والطير صَآفَّاتٍ} [النور: 41] وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} [الملك: 19].والصف: ترتيب الجمع على خط كالصف في الصلاة والحرب.{فالزاجرات زَجْرًا} يعني الملائكة تزجر السحاب وتسوقه، وقال قتادة: هي زواجر القرآن.{فالتاليات ذِكْرًا} يعني جبرائيل والملائكة تتلو كتب الله، عن مجاهد والسدي، وقيل: هي جماعة قرّاء القرآن، وهي كلها جمع الجمع، فالصافة جمع الصاف، والصافات جمع الصافة وكذلك أُختاها، وقيل: هو قسم بالله تعالى على تقدير: وربّ الصافات.{إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ} موضع القسم قال مقاتل: لأنّ كفار مكة قالوا: أجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟ فأقسم الله تعالى بهؤلاء: {إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ} وقرأ الأعمش وأبو عمرو وحمزة كلّهم بالإدغام، والباقون بالبيان.{رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المشارق} أي مطالع الشمس؛ وذلك أنّ الله تعالى خلق للشمس ثلاثمئة وستين كوة في المشرق، وثلثمائة وستين كوة في المغرب على عدد أيام السنة تطلع كل يوم من كوة منها وتغرب في كوة منها فهي المشارق والمغارب.حدّثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي إملاءً قال: حدّثنا أبو العباس محمّد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي إملاءً قال: حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمن بن عمر بن منيع صدوق ثقة قال: حدّثنا ابن عليه عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة قال: قال ابن عباس: إنّ الشمس تطلع كل سنة في ثلاثمائة وستين كوة تطلّع كل يوم في كوة ولا ترجع إلى تلك الكوة إلاّ ذلك اليوم من العام القابل، ولا تطلع إلاّ وهي كارهة، فتقول: ربّ لا تطلعني على عبادك؛ فإني أراهم يعصونك ويعملون بمعاصيك أراهم. قال: أولم تسمعوا إلى ما قال أُمية بن أبي الصلت: حتى تجر وتجلد؟قلت: يا مولاي وتجلد الشمس؟ قال: عضضت بهن أبيك، إنما اضطره الروي إلى الجلد.وقيل: وكل موضع شرقت عليه الشمس فهو مشرق، وكل موضع غربت عليه فهو مغرب، كأنه أراد ربّ جميع ما شرقت عليه الشمس.{إِنَّا زَيَّنَّا السماء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب} قرأ عاصم برواية أبي بكر {بزينة} منونة {الكواكب} نصبًا، يعني بتزييننا الكواكب، وقيل: أعني الكواكب، وقرأ حمزة وعاصم في سائر الروايات {بزينة} منونة.{الكواكب} خفضًا على البدل، أي بزينة الكواكب.وقرأ الباقون {بِزِينَةٍ الكواكب} مضافة. قال ابن عباس: يعني بضوء الكواكب.{وَحِفْظًا} أي وحفظناها حفظًا، أو وجعلناها أيضًا حفظًا، وذلك شائع في اللغة {مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} خبيث خال عن الخير.{لاَّ يَسَّمَّعُونَ إلى الملإ الأعلى} كأنه قال: فلا يسمعون. قرأ أهل الكوفة {يَسَّمَّعُونَ} بالتشديد، أي يتسمعون، قال مجاهد: كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون، وهو اختيار أبي عبيد، وقرأ الآخرون بالتخفيف، وهو اختيار أبي حاتم، {إلى الملإ الأعلى} يعني الكتبة من الملائكة في السماء {وَيُقْذَفُونَ} ويرمون {مِن كُلِّ جَانِبٍ} من آفاق السماء.{دُحُورًا} يبعدونهم عن مجالس الملائكة، والدحر والدحور: الطرد والإبعاد، {وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ} دائم، نظيره قوله سبحانه: {وَلَهُ الدين وَاصِبًا} [النحل: 52]، وقال ابن عباس: شديد. الكلبي: موجع، وقيل: خالص.{إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة} مسارق فسمع الكلمة، {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} تبعه ولحقه كوكب مضيء قوي لا يخطئه يقتل أو يحرق أو يحيل، وإنما يعودون إلى استراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون إليه؛ طمعًا في السلامة ونيل المراد كراكب البحر.{فاستفتهم} فسلهم، يعني: أهل مكة {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَآ} يعني: من الأُمم الخالية، وقد أهلكناهم بذنوبهم، وقيل: يعني السماوات والأرض وما بينهما.نزلت في أبي الأسد بن كلدة، وقيل: أُبيّ بن أسد، وسُمّي بالأسدين؛ لشدة بطشه وقوته، نظيرها: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} [غافر: 57] وقوله سبحانه {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السماء} [النازعات: 27].{إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} أي جيد حر يلصق ويعلق، باليد ومعناه اللازم تبدل الميم كأنه يلزم اليد، وقال السدي: خالص. قال مجاهد والضحاك: الرمل.{بَلْ عَجِبْتَ} قرأ حمزة والكسائي وخلف {عجبتُ} بضم التاء- وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس على معنى أنهم قد حلّوا محل من تعجّب منهم، وقال الحسين بن الفضل: العجب من الله، إنكار الشيء وتعظيمه وهو لغة العرب، وقد جاء في الخبر: عجب ربكم من إلّكم وقنوطكم والخبر الآخر: إنّ الله ليعجب من الشاب إذا لم يكن له صبوة ونحوها، وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد النيسابوري يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن علي البغدادي يقول: سُئل جنيد عن هذه الآية فقال: إنّ الله لا يعجب من شيء، ولكنّ الله وافق رسوله لمّا عجب رسوله، فقال: ف {تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} [الرعد: 5]. أي هو لما يقوله.وقرأ الآخرون بفتح التاء على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم وهي قراءة شريح القاضي. قال: إنما يعجب من لا يعلم، والله عنده علم كلّ شيء، ومعناه، بل عجبت من تكذيبهم إياك.{وَيَسْخَرُونَ} وهم يسخرون من تعجبّك.{وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ} وإذا وعظوا لا يتعظون.{وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً} يعني انشقاق القمر {يَسْتَسْخِرُونَ} يسخرون وقيل: يستدعي بعضهم بعضًا إلى أن يسخر.{وقالوا إِن هذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَآؤُنَا} يعني: وآباؤنا أو بمعنى الواو {الأولون قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ} صاغرون.{فَإِنَّمَا هِيَ} يعني: النفخة والقيامة {زَجْرَةٌ} صيحة {وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} أحياء.{وَقَالُواْ ياويلنا هذا يَوْمُ الدين هذا يَوْمُ الفصل الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ} أخبرني الحسن بن محمد المدني قال: حدّثنا محمد بن علي الحسن الصوفي قال: حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدّثنا عمّي أبو بكر قال: حدّثنا وكيع عن سفيان عن سماك، عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ} قال: ضرباءهم، وقال ابن عباس: أشباههم. ضحاك ومقاتل: قرناءهم من الشياطين، كل كافر معه شيطانه في سلسلة. قتادة والكلبي: كل من عمل مثل عملهم، فأهل الخمر مع أهل الخمر، وأهل الزنا مع أهل الزنا، وقال الحسن: وأزواجهم المشركات.{وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} في الدنيا {فاهدوهم} فادعوهم، قاله الضحاك، وقال ابن عباس: دلّوهم، وقال ابن كيسان: فدلوهم، والعرب تسمي السائق هاديًا، ومنه قيل: الرقية هادية السائق، قال امرؤ القيس:{إلى صِرَاطِ الجحيم} طريق النار.{وَقِفُوهُمْ} واحبسوهم، يُقال: وقفته وقفًا فوقف وقوفًا.{إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ} قال ابن عباس: عن لا إله إلاّ الله. ضحاك: عن خطاياهم. القرظي: عن جميع أقوالهم وأفعالهم. أخبرني الحسين بن محمد الدينوري قال: حدّثنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي قال: حدّثنا محمد بن أيوب قال: أخبرنا محمد بن عقبة قال: حدّثنا أبو حصين بن نمير الهمداني قال: حدّثنا حسين بن قيس الرحبي وزعم أنه شيخ صدوق قال: حدّثنا عطاء عن أبي عمر عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس خصال: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين كسبه، وفيما أنفقه، وما عمِلَ فيما علم».وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن صقلاب قال: حدّثنا محمد بن أحمد بن عبد الرَّحْمن بطرسوس قال: حدّثنا أحمد بن خليد قال: حدّثنا يوسف بن يونس الأخطف الأقطس قال: حدّثنا سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة دعا الله سبحانه بعبد من عبيده فيوقفه بين يديه فيسائله عن جاهه كما يسائله عن ماله».
|